إحدى قواعد الفقهاء تسقط .
الكاتب / ابراهيم احمد آل الفقهاء
لم يكن يوم الأربعاء الموافق 19 من ربيع الثاني لعام 1443هـ عاديا حيث فجع آل الفقهاء برحيل عميد أسرتهم الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الفقهاء البارقي الذي انتقل إلى الرفيق الأعلى في مستشفى عسير المركزي بعد معاناة مع المرض أسأل الله أن تكون رفعة له في الميزان ومزيدا من الرحمة والغفران إنه ولي ذلك والقادر عليه.
شاع الخبر ولم يصدقه الأذن ولكنه الإيمان بالقضاء والقدر دارت الأعين وشحبت الوجوه وساد الصمت الكل ينظر للكل في تساءل صامت ما الذي حدث وهل حدث شيء لا أحد يجيب أحد, ترى الكل في اتجاهات متعاكسة يذهبون إلى أين لا يعلمون وماذا يفعلون وماذا يريدون. إنها فوضى قسوة الخبر ومحاولة الهروب من تيقن ما حصل.
إنه الصمت الذي يرفض الهدوء ويتمرد على الكلمات ويعجز عن البوح بالمكنون، هي معاناة الذات المكلومة وتناقضات النفس المفجوعة بوداع من أحبت حد التقديس وعجزت عن التعبير عن انفلات رباطة جأشها فتهاوت كل معاني الجبروت وأنكسر كأس رصانتها المملؤ دموعاً حارقة تذرف بصمت خفي يحكي آلام القلب الحزين والنفس الكسيرة على وداع من كان لها عزاً وشموخاً ومتكأً عند أي لحظة تعب، كان السند إذا عز الصديق وكان العز وقت الضيق وأي ضيق وأبو محمد يسكن الفضاء الذي يظلك ويظله.
كم هو صعب التجرد من العاطفة كطقس من طقوس الاتزان وأي اتزان ونحن نعيش لحظات اللاوعي الذي يستحيل معه تصديق أي وعي لولا أن الإيمان بقدر الله شرط قبول دعواتنا أن يتقبل فقيدنا بقبول حسن. ففقد الوعي الحقيقي هو تصديق الخبر، ولكن أنى للخيال أن يكون حقيقة ومن المحال يكون السراب ماءً وما للشعور الشارد من حيلة للهداية إلى سبيل الرشاد فلا ملامة بعد اليوم لأي انفلات يكون وتباً لدمع لم يسكب على من رحل. تباً لهذه الدنيا بعد كل حبيب وغالي وما غاية الحياة في مجاهيل الدروب إن غاب الدليل وذهب العز والرفيق.
إنها دنيا الفناء ودروب الضياع إلا من أرشده الله لاتباع الأمر والاقتداء بالعمل كما نزل وما قد نزل بالقلب قد نزل ومن الصعب جمع شتات الحروف التي تصف قسوة الصدمة التي تلقتها النفس برحيل رجل بقامة أمة.
لقد بكى القلم وهو يحاول عجزاً تسطير ما يجيش به صدري من حرارة الفقد. وأعتذر وتعلل بجفاف مداده وانثنى إجلالاً لقدر من رحل وابتعد عن المشهد وتوارى فأيقنت أنني عبثاً أحاول تسطير ما استعصى على البيان وكلما حاولت إيضاح ما أريد يأتي قولي مبهماً أكثر وكيف يفهم قول لم يفهمه قائله فآثرت التوقف بدعوة صادقة في ظهر الغيب في كل وقت وحين. والعزاء في أن الرحيل تمرد على كل طقوس الرحيل حيث كان رحيلا مكللاً بالمجد والرفعة كيف لا وهو هامة النبل وقمته، وفي سماء الإنسانية يتسامى محلقاً بعقيدته الصافية ونيته الطيبة في فضاء الأخلاق كشاهين فرد جناحيه سطوة وكبرياء. حق له ذلك فالكل له شاهد ولا يجتمع الأمة على باطل أبد.
وكم راعني بكاء سائقه الخاص سوداني الجنسية الذي أجهش بالبكاء من مرارة الفقد ولم يستطع وهو يصافح الجميع معزيا أن ينطق كلمة أحسن الله عزائكم.
عندها سألت نفسي كيف يكتب المفجوع بالوداع وداعيته؟ هل يكتبه نصاً صامتاً أم نشيداً قاسياً للأثر التدميري العاطفي؟
إنه العجز الحقيقي عن إيجاد التوازن بين التفكير العقلاني المنضبط والتفكير العاطفي المندفع. وعجزت المعاني هل ترثي الإنسان القامة أم القيم الأثر. فجف المداد ليس من كسل ولكن عجزاً وخجل، ولا غرو فالمساحات تضيق والكلمات تتعثر عندما تحاول رثاء القامات.
يغرق القلب الحزين وقد أهمته الدنيا بفواجعها والرواد يرحلون هذه سنة الحياة، لكنهم لا يغيبون فهم في ذاكرة التاريخ دائماً حاضرون وهذا قانون الخلود.
ودعتك الأعين دامعة والألسن بالدعاء باكية وباح الصمت سائلاً أحقاً هو الوداع ياليته لم يصدق الخبر .