الكاتبة ـ موسية عسيري
كنت مغمضة العينين، أتنفس ببطء، وأُحدّث نفسي بهدوء:
تخيّلي الآن أن لديك بالونًا بلون تختارينه أنتِ...
أمسكيه، وابدئي في نفخه.
لكن، توقفي لحظة...
الهواء الذي تنفخينه في هذا البالون،
ليس هواءً عاديًا.
إنه مزيج من كل الضغوطات النفسية، الإجتماعية، والإقتصادية،
ومعه بعض الذكريات… السلبية منها أو حتى الإيجابية.
كل نفسٍ تنفخينه في البالون،
هو شيء ما تخرجينه من داخلك،
شيء أرهقك، أثقلك، أو طالك بطريقة أو بأخرى.
ومع كل نفخة... تشعرين أنك تتحررين قليلًا.
وعندما يمتلئ البالون،
اربطِ فمه بلطف،
وامسكيه بين يديك.
الآن...
ابدئي بالضغط عليه، لكن برفق،
فقط حتى تشعري بملمسه بين راحتيك.
ملمس ناعم، مشدود...
اضغطي أكثر قليلًا، وراقبي شعورك.
كلما ضغطتِ،
تشعرين بشيء يتغير تحت أصابعك...
بأن الهواء داخل البالون يتحرك للأعلى والأسفل،
وكأن شكله يبدأ بالتغيّر، لا بالتشوّه، بل يعيد تشكيل نفسه.
تضغطي من المنتصف؟
سيتحول شكله إلى مخروطي، وربما بيضاوي.
هكذا تمامًا هي أفكارك ومشاعرك حين تحاولين ترتيبها داخلك.
لكن الآن، توقفي واسألي نفسك:
هل أريد أن أفجّر هذا البالون؟
أم أُفرغ ما في داخله بهدوء؟
هل أريد التخلص من الضغوطات التي وضعتها فيه؟
أم من الأشخاص الذين كانوا السبب فيها؟
ثم تسألين نفسك مرة أخرى...
إن تخلصتِ منهم،
هل ستتخلصين من أجمل اللحظات التي عشتها معهم أيضًا؟
ماذا تريدين فعلاً؟
أن تتخلصي من الهواء... فقط؟
أم من كل ما رافق هذا الهواء؟
كلما ضغطتِ أكثر،
تشعرين بألم في مفاصل أصابعك...
وقد يمتد إلى يدك، إلى كتفك...
بل إلى كامل جسدك مع الوقت.
وربما لا تلاحظين تقلّص البالون فعليًا،
إلا عندما تتشابك أصابعك بقوة،
كأنك تمسكين شيئًا يهرب منك.
وهنا... قد تفقدين الإحساس بجسدك،
تشعرين بثقل،
وتعب،
وعدم قدرة على الوقوف بثبات.
وكل هذا…
رغم أنك لا تملكين بالونًا حقيقيًا في يديك.
لكن عقلك الباطن رسم لك المشهد،
وجعل جسدك يتجاوب معه وكأنه واقع.
وهنا فقط...
تفهمين معنى أن نستسلم لقوانين العقل الباطن،
أن نصدّق خيالاتنا حتى تؤثر فينا،
وأننا نملك القدرة على إعادة تشكيل ما بداخلنا...
بكل وعي.